مواسم الأعياد تطرق أبوابنا، وخلال فترة العطلات، يميل أغلبنا إلى تناول أشهى الأطعمة التي نفضلها، غير أن هذا الأمر لديه انعكاسات سلبية على نظامنا الهضمي بأكمله في أغلب الأحوال. لذا؛ من المحتمل أن تمنعك الحرقة المعدية أو ارتجاع المريء (وهو ما يُعرف أيضاً علمياً باسم الارتجاع المعدي المريئي GERD) من الاستمتاع بأصناف الطعام اللذيذة وستؤثر عليك سلباً خلال مواسم الأعياد المبهجة. ذكرت دراسة استقصائية منشورة لدى دورية جوت Gut العلمية أن نحو 33% من سكان منطقة الشرق الأوسط يعانون من داء ارتجاع المريء.
تتمثل المشكلة الحقيقية في هذا الأمر، في معرفتنا أن لحظات من السعادة الحالية ستؤدي بدورها إلى ساعات من الألم لاحقاً، وذلك بسبب ارتجاع الحمض أو الإصابة بمرض الارتجاع المعدي المريئي (GERD). ولكن لا داعي للقلق من هذه المشكلة، بإمكانك التلذذ بأغلب أطايب الطعام التي تحبها دون الشعور بالانزعاج أو تحمل الألم، بشرط أن تستعد جيداً قبلها وتلتزم ببعض الأمور الواجبة عليك. إليك فيما يلي تفاصيل كل شيء عن خطر الإصابة بالارتجاع المعدي المريئي (GERD) خلال مواسم الاحتفال وكيفية تجنب أي انزعاج ينتج عنه.
مرض الارتجاع المعدي المريئي (GERD) هو عبارة عن حالة هضمية يتجمع فيها حمض المعدة ويسيل مرة أخرى إلى داخل المريء، ومن ثمّ يؤثر بطبيعة الحال على البطانة المريئية. يُعد الارتجاع الحمضي وحرقة المعدة من العلامات الدالة على وجود مشكلة الارتجاع المعدي المريئي (GERD). وعلى الرغم من حقيقة أن الارتجاع الحمضي وحرقة المعدة شيء طبيعي، إلا أن المرء قد يعاني من داء الارتجاع المعدي المريئي (GERD) إذا ظهرت عليه هذه الأعراض بشكل مزمن أو في غالبية الأوقات.
عندما نتناول الطعام بقدرٍ معتدل، ستعمل وظائف أجسامنا بشكل مثالي. ولكن حينما نفرط في تناوله، سيترتب على هذه العادة مشكلتين اثنتين. الأولى منهما، وهي أن معدتنا ستحوي الكثير من المأكولات بداخلها مما سيزيد فرص حدوث التجشؤ وارتجاع الحمض المعدي. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يفضي فرط الأكل إلى سوء أعراض الحموضة المعوية والانزعاج في البطن لكل فرد يعاني بالفعل من داء الارتجاع المعدي المريئي (GERD).
والمشكلة الثانية، هي أن فرط تناول الطعام يزيد من معدل السعرات الحرارية بالجسم. تكمن أزمة زيادة السعرات الحرارية في أنها تتحول إلى دهون مخزنة في أجسامنا، ومن ثم ستفضي إلى زيادة الوزن والمعاناة من السمنة. وإلى جانب ذلك، ستعمل الكربوهيدرات المرتفعة على إجهاد عمل البنكرياس، وهو العضو المسؤول عن إفراز الأنسولين بهدف تنظيم مستويات السكر في الجسم (الجلوكوز). وإذا ما أفرط الإنسان في الأكل لمدة طويلة من عمره، فسيكون عرضةً للإصابة بداء السكري والسمنة والاضطرابات الأيضية مثل ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
معدتنا لديها القدرة على التمدد واستيعاب كمية محدودة من الطعام والشراب. فتناول الأكل بعد الشعور بالامتلاء (التخمة) يزيد من مخاطر ارتجاع الحمض المعدي. وعندما يستهلك شخص ما وجبة طعام، يتراكم الحمض المتجمع في المعدة على الطعام من فوق. يوجد جيب الحمض ناحية الجزء العلوي من المعدة وذلك إذا كان الشخص يقف منتصباً. يزيد فرط الأكل من احتمالية التجشؤ والذي يُعرض بدوره المريء السفلي (مجرى الطعام من الحلق إلى المعدة) للآثار الحارقة التي تنتج عن تدفق حمض المعدة.
فلدى حمض المعدة القدرة على تحفيز الضرر الكيميائي في الجزء العلوي من البطن أو الجزء الأوسط السفلي من الصدر. ولربما يختلط، لدى المرء، الشعور بالحرقة مع ألم الصدر الناتج عن الإصابة بالنوبة القلبية. فضلاً عن ذلك، فإن ارتجاع الحمض والطعام لا يحدث لمجرد تناول وجبات كبيرة أو التهام الطعام سريعاً، بل يمكن أيضاً أن يرجع سببه إلى الاستلقاء فور الأكل مباشرة. تزيد مخاطر ارتجاع الحمض المعوي لدى الكثيرين عند التمدد على الفراش في غضون ثلاث ساعات من تناول الطعام.
العديد من الأطعمة تتسبب في أزمة الارتجاع الحمضي وحموضة المعدة أو تفاقم الإصابة بهما، وقد يتغير هذا الأمر من شخص لآخر أو يكون مخصوصاً بكل حالة على حدة. يجب عليك أولاً أن تولي اهتماماً خاصاً بما تشعر به بعد استهلاك وجبات معينة. الأطعمة الغنية بالدهون أو الأملاح أو التوابل هي المحفزات الأسوأ عموماً، وذلك مثل:
هنالك العديد من المأكولات التي ستساعدك على تفادي أزمة ارتجاع حمض المعدة. فإلى جانب الوجبات الخفيفة المناسبة لأجواء الاحتفال، يمكنك شراء وتخزين احتياجاتك من مختلف الأصناف المندرجة تحت الفئات الثلاثة التالية:
الأطعمة المحتوية على قيمة منخفضة من الحمض الهيدروجيني هي حمضية وأكثر احتماليةً للتسبب في الارتجاع. أما الأطعمة التي تحتوي على قيمة أعلى من الحمض الهيدروجيني فهي قلوية ويمكنها أن تساعد على توازن الحمض المعدي القوي. تشتمل الأطعمة ذات النسبة القلوية المرتفعة على السلطات والمكسرات والقرنبيط والشمر والبطيخ بأنواعه والموز وغيرها الكثير.
تناول الوجبات المحتوية على كميات عالية من الماء تعمل على تخفيف وخفض مستوى حمض المعدة. تتضمن هذه الأطعمة أصنافاً مثل الخيار والكرفس والبطيخ والخس وخلافه.
الوجبات المليئة بالألياف تساعد على الشعور بالامتلاء مما سيقلل بدوره فرص الإفراط في الأكل المتسبب في حرقة المعدة. ولهذا، عليك الاعتماد على الوجبات الغنية بالألياف مثل الحبوب الكاملة (دقيق الشوفان والقمح الكامل والكينوا والأرز البني) والخضراوات الجذرية (البطاطا الحلوة والجزر واللفت والشمندر) والخضراوات الورقية (البروكلي والهليون والقرنبيط والأوراق الخضراء والخيار والحبوب الخضراء).
إليك بعض الطرق التي يمكنها مساعدتك في تقليل إمكانية ظهور ارتجاع المريء أو خفض الأعراض الخاصة به في موسم الاحتفالات الحالي:
لا ترتبط أعراض حموضة المعدة بنوعية ما تتناوله فحسب، بل بمعدل استهلاكك له. فالنهم في الأكل قد يفضي إلى حدوث حرقة بالمعدة. وتقليل مقدار الوجبات يمكنه أن يخفض احتمالية حدوث حموضة المعدة بشكل ملحوظ، حتى في المراحل المتقدمة من العمر. حاول أن تُجزأ وجباتك على فترات زمنية ممتدة عن طريق تناول كميات أصغر حتى لا ينتهي بك المطاف وبطنك ممتلئة من التخمة بعد وجبة واحدة.
تحدث حرقة المعدة أيضاً بسبب تناول وجبة كبيرة قبل الخلود إلى النوم مباشرةً. يمكنك تجنب هذا الأمر من خلال تخصيص ساعتين أو ثلاث ساعات بين وجبتك الأخيرة وموعد ذهابك إلى الفراش. فهذا من شأنه أن يمنح معدتك الفرصة في هضم الوجبات بكفاءة وفاعلية مضمونة.
وإذا حدثت مشكلة الارتجاع قبل النوم أو أثناءه، فلا تتوانَ عن رفع رأسك وأنت نائم بالليل. فعندما تنام على وسادتين أخريين أو وسادة مائلة، ستقلل من كمية الحمض الذي يرتد إلى المريء بالداخل ومن هنا ستتجنب مشكلة الارتجاع المقلقة.
اتخذ قرارات حكيمة عندما يتعلق الأمر بوجباتك حتى لا تعاني من حموضة المعدة. تجنب الأصناف الحمضية والشديدة الدسم واللاذعة وكذلك أي طعام قد يساهم في ظهور أعراض حرقة المعدة. الخضراوات الجذرية مثل البطاطا والجزر هي اختيار ممتاز حقاً للقضاء على مشكلة الارتجاع المعدي المريئي (GERD) والأعراض المصاحبة له.
تزيد مشروبات الكافيين والكحول من إفراز الحمض كما أنها معروفة بتسببها في حدوث حرقة المعدة. جرّب المشروبات المنزوعة الكافيين أو الشاي العشبي بدلاً منها.
يجب عليك أن تضم التمرينات الرياضية إلى قائمة مهامك في أوقات العطلات/ الأعياد بما أنها ستعزز عمل النظام الهضمي لديك بشكل أفضل. اخرج من بيتك وامشِ قدر المستطاع، وخاصةً إذا تناولت لتوّك وجبة كبيرة. اصعد على السلالم، كلما تسنى لك الأمر.
يعتاد الناس في مواسم البهجة والفرح على بذل روح العطاء والمشاركة والاستمتاع ونشر الإحساس بالسعادة بين الجميع. ولكن علينا تفهم أن الانغماس في ملذات الطعام ليس هو جوهر المتعة الحقيقية في عطلاتنا، وما هو إلا بداية الطريق للمعاناة الصحية لاحقاً في وقت متأخر من حياتنا. لذلك؛ إذا تعرضت للحموضة بعد الإسراف خلال الاحتفالات، فعليك الاستعانة بالعلاجات المنزلية والتغيير في أسلوب حياتك، ومن الممكن أن تلجأ إلى الأدوية للتغلب على هذه الأزمة. استشر طبيبك إذا ظللت تعاني من مشكلة ارتجاع الحمض/ حرقة المعدة يوماً بعد يوم تقريباً. فقد يوصيك الطبيب بأخذ دواء أو علاجات أخرى في بعض الحالات التي تستلزم ذلك.